Linz-arab.com

الصفحه الرئسيه اضغط هنا

الضغوط النفسية: كيف يمكنك أن تفكر بحكمة رغم الضغوط من حولك؟

هل نصنع الحظ بأنفسنا، وهل من الممكن أن نُسخر الفرص لمصلحتنا؟ حيّر هذا السؤال الفلاسفة لقرون، لكن يبدو أن ماريا كونيكوفا، الكاتبة والأخصائية النفسية، توصلت لإجابة لهذا السؤال في يناير/كانون الثاني 2018.

فمنذ أكثر من عام جازفت كونيكوفا بالحصول على إجازة بدون راتب من منصبها بمجلة "نيويوركر" لتتدرب على لعبة البوكر من الصفر. وكانت كونيكوفا تهدف في بادئ الأمر إلى تأليف كتاب عن دور الصدفة في حياتنا ورأت أن تجربتها في لعبة البوكر ستساعدها في استكشاف هذا الموضوع.

وقد حالفها الحظ عندما تلقت عرضا من اللاعب الأسطوري، إريك سيدل لتدريبها طوال هذه التجربة.

وشاركت كونيكوفا في بطولة بوكرستارز الوطنية الكاريبية، وهي من أقدم منافسات البوكر وأعرقها في العالم. وفازت كونيكوفا على 290 متنافسا في ثلاثة أيام وحصلت على الكأس وجائزة مالية قدرها 84,600 دولار، بالإضافة إلى حزمة من المزايا بقيمة 30,000 دولار لحثها على المشاركة في البطولة القادمة، هذا إلى جانب التغطية الإعلامية العالمية.

ولخصت كونيكوفا تجربتها في كتاب "الخدعة الكبرى"، الذي صدر الأسبوع الحالي. ولم يخيب الكتاب ظن القارئ، إذ كان مليئا بالشخصيات الواقعية المثيرة، التي تضاهي شخصيات قصص الأديب البريطاني الشهير إيان فليمنغ.

لكن كونيكوفا تأمل أن يستفيد القارئ من الكتاب دروسا قيمة تتخطى حدود نوادي القمار. وتقول في مستهل كتابها: "هذا الكتاب ليس عن قواعد لعبة البوكر، بل عن المهارات المطلوبة لنعيش حياة ناجحة في ظل الظروف والفرص المتاحة".

وتحدثت إلى كونيكوفا في نيويورك لمناقشة الدروس التي تعلمتها من تجربتها والطرق التي يمكن أن نحقق بها أقصى استفادة من الفرص التي تتاح لنا في الحياة.

الحظ أم المهارة؟

قد يبدو غريبا أن تختار خبيرة في خفايا النفس البشرية أن تحترف لعبة البوكر التي طالما اقترنت بالسلوكيات غير القانونية، لكن كونيكوفا تشير إلى أن جون فون نيومان، أحد واضعي "نظرية الألعاب"، كان لاعب بوكر أيضا.

وتعتمد نظرية الألعاب على نماذج رياضية للتنبؤ بقرارات الناس، مثل خيارات المستهلك أو المساومة السياسية، بناء على التكاليف والمزايا. ورأى فون نيومان أنه إذا استطاع أن يفهم لعبة البوكر، سيكتشف القواعد والمعايير التي تنطوي عليها عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية.

وتقول كونيكوفا، إن البوكر لعبة للمعلومات غير المكتملة، تماما كالحياة، لأن الكثير من المعلومات التي نحتاجها لاتخاذ القرارات في لعبة البوكر غير معلومة ولا نعرف عنها شيئا، ولا يمكن أن نرى الطاولة بأكملها. ومع ذلك علينا أن نتصرف وكأننا نعرف كل شيء.

وتضرب مثالا على ذلك بالوعي الانفعالي، بأن تسأل نفسك بين الحين والآخر عن مشاعرك، وعن رد فعلك. وبعدها عليك أن تحاول أن تقيم مدى تأثير هذه المشاعر على قراراتك، وما إن كنت ستتمكن من وصف هذه المشاعر لتبرير قرارك النهائي أم لا. إذ أشارت دراسة إلى أنه كلما زادت دقة الناس في وصف مشاعرهم، تحسنت قدرتهم على اتخاذ القرارات في نماذج محاكاة سوق الأوراق المالية.

ولا يخلو كتاب لتعليم البوكر من تحليل للعلامات والتعبيرات الطفيفة التي قد تكشف عن الأوراق في يد اللاعب المنافس. لكن كونيكوفا تقول إن الكثير من الأبحاث أثبتت أن تعبيرات الوجه لا قيمة لها إذا كنت تبحث عن علامات الكذب.

إذ تبين أن معظم لاعبي البوكر لا يبدون أي انفعالات، وقد تضيّع وقتك وتفكيرك سدى في محاولة قراءة انفعالاتهم.

وتقول كونيكوفا إن هناك اعتقادا خاطئا بأنك لو نظرت إلى العينين، التي تعد نافذة الروح، ستكشف عن نوايا اللاعب الآخر، لكن دراسات تشير إلى أنه من الأفضل النظر إلى اليدين، التي تدل على علامات التوتر أو الثقة. فإن الطريقة التي نمسك بها الأوراق أو حتى المأكولات تكشف الكثير عن مشاعرنا.

الاستفادة من الفرص المتاحة

حلت كونيكوفا في المركز الثاني في جولة البوكر بمنطقة آسيا والمحيط الهادي التي أقيمت في منطقة ماكاو الصينية، وحصلت على 60 ألف دولار وفازت في منافسات أخرى في أوروبا والولايات المتحدة.

لكن أساليب التفكير التي وصفتها كونيكوفا في كتابها قد يستفيد منها العاملون في مختلف المجالات. فإن التقدير الخاطئ للفرص قد يقود مديري البنوك والقضاة وحتى الرياضيين لاتخاذ قرارات خاطئة.

وفي الوقت الذي تضع فيهالحكومات سياسيات بناء على معلومات محدودة، ويجد فيه الأفراد صعوبة في فهم الإحصاءات والرسومات البيانية لاحتمالات انتقال عدوى فيروس كورونا على سبيل المثال، ربما تساعدنا نصائح كونيكوفا من واقع تجربتها في لعبة البوكر في التعامل مع هذا القدر من عدم التيقن والغموض وكيفية التفكير بشكل منطقي رغم الضغوط.

وتقول كونيكوفا إن اللافت أن مجتمع البوكر فطن إلى مخاطر الوباء من البداية، وأعلن عن احتمالات الإغلاق منذ فبراير/شباط، إذ لاحظ أن الفيروس ينتشر انتشارا مطردا.

ورغم أن كونيكوفا توقفت الآن عن لعب البوكر، فإنها تقول: "لن تطأ قدمي ناد القمار حتى يُكتشف لقاح أو دواء لفيروس كورونا المستجد".

غير أن الدروس المستفادة من تجربتها وأهمية تقبل المجهول، قد تساعدها وتساعد القراء في الاستعداد لما يحمله المستقبل، مهما كان.