Linz-arab.com

الصفحه الرئسيه اضغط هنا

أعظم وزير اقتصاد فى العالم

• قصة سيدنا يوسف عليه السلام مهما قرأتها لا تمل منها أو درستها لا تخرج منها خالى الوفاض وكلما تأملتها تعلمت منها دروسا نادرة فى الحياة، تجد بين ثناياها أجمل الفقه والزهد والإدارة والحكم والصدق والحب والإحسان.

• فيوسف حينما عبر بمصر من حافة القحط والهاوية الاقتصادية لم يأت بموارد جديدة، ولكن بطريقة إدارية مبتكرة وفعالة عظمت الموارد المتاحة وأحسنت استغلالها وتفعيلها وتنظيمها، فالمشكلة فى كل البلاد التى تعانى اقتصاديا ليس فى نقص الموارد ولكن فى الفساد وسوء الإدارة وتخلف العقول.

• وتلمح فى قصة يوسف عليه السلام أنه طلب من عزيز مصر أن يعينه وزيرا للاقتصاد والمالية، وقد حظرت الشريعة الإسلامية أن يطلب الإنسان منصبا لنفسه إلا أن يخبر عن نفسه وخبراته وعمله لمن لا يعلمه «قَالَ اجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ «والعلة» إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ» «أى لدى العلم بهذا التخصص، وكذلك الأمانة والدقة أى جمع بين القوة على المنصب والأمانة فيه «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»، وفى هذا ملمح رائع أن المناصب تكليف لا تشريف، وأنها عبء ومسئولية لا يقدر عليها إلا أهلها، وأنه ما طلب أن يكون على خزائن الأرض ليملكها أو يهدرها أو يبددها ولكن ليحسن تدبيرها ويوزعها بالعدل على مستحقيها.

• كما تلمح فى السورة فراسة عزيز مصر الذى تبنى يوسف وهو صغير، فقد رأى فيه النبوغ والحكمة والشجاعة والرحمة فجعله مثل ابنه وعلمه فنون الحرب وقيادة الدول وسياستها وأشركه فى كل القرارات المصيرية التى شارك فيها ورأى فى المقابل من يوسف الصغير العون وسداد الرأى والكتمان والشجاعة والحكمة والأناة.

• باختصار رأى فيه رجل الدولة المقبل، ولذلك فإن القياس بعيد بين يوسف عليه السلام وأى شاب فى الحركة الإسلامية لم يدخل دواوين الحكم ولم يخبرها ولم يتدرب على قيادة الدول ويريد أن يقيس نفسه بيوسف عليه السلام ليبين استعداده كشاب لقيادة الدول باعتبار أن يوسف متدين وزاهد وهو متدين كذلك وزاهد ولا يدرك أن يوسف تربى وعاش فى دهاليز الحكم على قيادة الدولة وتعلم فنون الحرب والقتال وأعمال السيادة.

• ويقترب منه فى ذلك الأمر ويشبهه فى الصالحين عمر بن عبدالعزيز الذى كان والده حاكما لمصر ومعظم أعمامه خلفاء وزوجته بنت خليفة وأخت خليفتين، وكذلك صلاح الدين الأيوبى الذى تربى فى مدرستين هما «مدرسة العسكرية والقيادة على يدى والده وعمه ونور الدين محمود وكلهم من قادة السياسة والحرب فضلا عن مدرسة الزهد والتصوف والتعفف، فصار كل منهما حاكما صالحا ورعا، فكلاهما جمع بين مدرسة الحكم والزهد والورع معا.

• كل الحكام الصالحين لم يخرجوا أو يتخرجوا من مدرسة الدعوة والعلم، ولكنهم تخرجوا من مؤسسات الحكم وكانت فيهم نبتة الصلاح والخير، ولما آل إليهم زمام الأمر حاولوا العدل والإنصاف والرحمة بالرعية وتحرير الأوطان ومقاومة المستعمرين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر عمر بن عبدالعزيز، نور الدين محمود، قطز، بيبرس، محمد الأشرف قلاوون، الملك فيصل، السادات.

• كما تلمح فى السورة رفق ورحمة وشفقة عزيز مصر الذى اشترى يوسف، وذلك واضح فى كلماته وتوجيهه لزوجته «أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عسى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ» وهذا الرجل لم يكن مؤمنا أو مسلما وكان رئيسا لوزراء مصر ويتولى مسئوليتى الدفاع والداخلية فيها، ورغم ذلك كان فى قلبه من الرحمة والشفقة الكثير، فصفات الرحمة ليست قاصرة على أهل الأديان وليست قاصرة على فصيل دون فصيل أو مهنة دون أخرى، ولكن الدين يقوى الرحمة التى فى القلوب ويشجع عليها، ورغم أن بعض المهن تدعم الرحمة أكثر من غيرها، إلا أن من فُطر على الرحمة فإن فطرته تتغلب على كل ما سواها خاصة إذا نمى هذه الفطرة.

• قصة سيدنا يوسف فى القرآن مليئة بالعبر والدروس فهذا يعقوب عليه السلام بعد فراقه لابنه الحبيب يوسف بسنوات طويلة يتذكره ويأسف على فراقه رغم أن له من الأبناء والأحفاد الكثير قال: «يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ» لأن منزلة يوسف أعلى منهم جميعا ومكانته عند الله وفى قلب أبيه أسمى منهم بكثير فبعض الأماكن لا يشغلها إلا أشخاص بعينهم حباهم الله من الفضل والمكانة ما لا يوجد عند غيرهم.

• أما قوله تعالى: «وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ» فهى أول إشارة فى البشرية كلها إلى ما يسمى فى الطب «الأمراض النفسجسمية» وأول من أشار إلى هذا النوع من الأمراض القرآن الكريم منذ قرابة 15 قرنا، أما علماء الطب فلم يعرفوا أو يكتشفوا هذا النوع من الأمراض إلا منذ قرابة 120 عاما، ولو أن المسلمين كانوا نابهين ومتقدمين فى الطب فى العصر الحديث مثل أسلافهم لاكتشفوه قبل أطباء الغرب، فهو موجود لديهم فى القرآن ولكننا أمة لا تتدبر القرآن كثيرا ولا تتفاعل معه كثيرا ولا تعتبره دستورا لها ولكن تعتبره مجرد بركة فى البيت أو السيارة أو تعرفه عند الموت.

• لقد صار هناك قسم خاص فى الأمراض اسمه «الأمراض النفسجسمية» ومن أمثلتها القولون العصبى، المثانة العصبية، القلب العصبى، الارتكاريا العصبية، الأمراض الجلدية النفسية مثل الثعلبة وغيرها.

• دروس سيدنا يوسف لنا وللأجيال المقبلة لا تنتهى وهى متجددة فى كل عصر ولكن هناك درسا كبيرا وعظيما تدور حوله القصة كلها ويلخصها تماما هو الإحسان إلى الخلائق، ومن تأمل قصة يوسف كلها يدرك أن إحسانه إلى الخلائق هو سر تميزه ونجاحه فى أمر الدنيا كنبى وفى أمر الدين كأعظم وزير اقتصاد فى التاريخ، حيث جعل مصر تخرج من كارثة اقتصادية لتصدر الغلال للعالم كله حولها.